الصفحات

الجمعة، ٢١ آب ٢٠١٥

(الملف النووي الإيراني: ماذا يريد نتنياهو؟)

صحيفة الفيغارو 8 آب 2015 ـ بقلم الباحث في المركز الوطني للأبحاث العلمية CNRS ران هاليفي Ran Halévi

     بدأت تتدهور العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية والبيت الأبيض بعد الاتفاق حول الملف النووي الإيراني. كانت هذه العلاقات سيئة منذ انتخاب باراك أوباما، وتحولت إلى مواجهة لا سابق لها. تبذل الحكومة الإسرائيلية كل ما بوسعها لإفشال الرئيس الأمريكي. يبدو أن نتنياهو ما زال متردداً بين شن هجوم إعلامي مدوي في الولايات المتحدة أو حملة إعلانية أكثر حذراً ولكن بالعدائية نفسها لدى أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ الذين سيصوتون قريباً على اتفاق فيينا.
     في الحالتين، ستكون الأضرار هي نفسها. لا يتعلق الأمر فقط بالعلاقات بين الحكومتين. تتحدث بعض البرقيات المُقلقة التي وصلت إلى القدس عن الحيرة العميقة لدى الطائفة اليهودية الأمريكية التي وقعت بين ارتباطها بالدولة العبرية وولاء أغلبيتها العظمى إلى الرئيس الأمريكي. لا شك أن الطائفة اليهودية في الولايات المتحدة معرضة لخطر التمزق بشكل أكبر بسبب الحرب السياسية لنتنياهو الذي لا يتردد في التوجه بالحديث مباشرة إليها عبر كلماته المفاجئة وغير الموفقة.
     ما زال نتنياهو جازماً بقوله أن هذا الاتفاق سيء، ويعطي الإيرانيين شيك على بياض للحصول على القنبلة بعد عشر سنوات، ويضع تحت تصرفها الأموال المحجوزة حتى الآن، هذه الأموال التي ستستخدمها طهران من أجل تعزيز قدرتها على إلحاق الضرر في المنطقة. كما يعتبر أنه كان يجب على الدول الغربية تعزيز العقوبات لإخضاع الإيرانيين، وأنه إذا رفض الكونغرس الأمريكي هذا الاتفاق، فإنه سيرغم الإيرانيين على تقديم المزيد من التنازلات.
     رفض المسؤولون الأمريكيون هذه الحجج، ويقولون أن خيار "أفضل الاتفاقات" غير موجود. لقد تنازلت إيران حول بعض المطالب الإسرائيلية الأكثر أهمية. من الوهم الاعتقاد بأن رفض الكونغرس لهذا الاتفاق سيجعله في موقع أفضل، ولن يؤدي ذلك إلا إلى إبعاد الطرفين عن بعضهما البعض لفترة طويلة وعزل الولايات المتحدة على الساحة الدولية وعودة النظام الإيراني إلى السباق نحو السلاح النووي الذي سيحصل عليه خلال عدة أشهر.
     بالتأكيد، يحمل اتفاق فيينا بعض المخاطر الأكيدة ابتداءاً من تحول إيران إلى قوة نووية على المدى الطويل وانتهاءاً بالنقاط الغامضة حول فعالية عمليات التفتيش. من الممكن انتقاد أوباما لأنه انخرط في المفاوضات معطياً الانطباع بأن فشل المفاوضات لم يكن ممكناً، الأمر الذي عزز المواقف الإيرانية. لكن هذه التسوية تبقى اختراقاً هاماً على صعيد المراقبة على الأسلحة، ولها الفضل بأنها موجودة ولاسيما أنه ليس هناك خيار آخر.
     لا يريد نتنياهو سماع ذلك، كما أن الأمر الذي يزيد من خطورة الخلاف مع واشنطن هو الطابع غير المفهوم للأهداف التي يريدها. كان نتنياهو يكرر خلال سنوات عديدة أن حصول إيران على القنبلة النووية سيشكل خطراً قاتلاً على إسرائيل، وأن القضاء على هذا التهديد يمثل الأولوية القصوى. أصبح نتنياهو يطالب اليوم بأن يتضمن الاتفاق اعترافاً إيرانياً بالدولة العبرية، ووقف الدعم الإيراني للإرهاب، وهي أمور مستحبة ولكن لا علاقة لها ببقاء إسرائيل التي تملك جيشاً قوياً. يجب التساؤل فيما إذا نتنياهو يريد حقاً التوصل إلى اتفاق، وذلك في الوقت الذي لا يعترف فيه بأي مخرج آخر غير تفكيك القدرات النووية الإيرانية، وهو أمر بعيد الاحتمال.
     هل يريد نتنياهو إجهاض اتفاق فيينا بمساعدة أصدقائه في الكونغرس، وإعطاء دفعة جديدة للخيار العسكري بسبب الوضع الكارثي الذي سينجم عن إجهاضه؟ من المعروف أن الهجوم العسكري لن يؤدي إلا إلى تأخير البرنامج النووي عدة سنوات، بينما تسمح التسوية الحالية بتأخيره عشر سنوات على الأقل. في الحقيقة، ليس هناك أي شيء واضح في موقف نتنياهو. لكن سلوكه يدفع للحيرة: إن فكرة قيام زعيم دولة حليفة بحملة لدى النواب الأمريكيين والرأي العام الأمريكي ضد الحكومة الأمريكية سيزعج أكثر المخلصين للدولة العبرية في الولايات المتحدة سواء كانوا يهوداً أم لا. أدان اوباما مؤخراً مثل هذا التدخل في الشؤون الداخلية بشكل عنيف وغير معتاد.
     تمثل القضية الإيرانية رهاناً هائلاً بالنسبة لأوباما ونتنياهو معاً: إذا انتصر أوباما في الكونغرس، فإن نتنياهو سيخسر القليل من المصداقية التي ما زال يحظى بها؛ ولكن إذا صوت الكونغرس ضد الرئيس الأمريكي، فإن العالم بأسره سيخسر ابتداءاً من دولة إسرائيل.


الاثنين، ١٧ آب ٢٠١٥

(الملف النووي الإيراني: ماذا بعد الاتفاق؟)

صحيفة الليبراسيون 7 آب 2015 ـ بقلم مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية European council on Foreign Relations مارك ليونارد Marc Leonard

     إذا صادق الكونغرس الأمريكي على الاتفاق مع إيران (وهذا غير مؤكد)، فإنه لن يبعث على الكثير من الأمل بالسلام في المنطقة المشتعلة في ليبيا وسورية واليمن. ما هو تأثير هذا الاتفاق حول الملف النووي على هذه المنطقة المشتعلة؟ يتمثل السيناريو الأكثر كارثية في أن تتصرف إيران كما يحلو لها، وأن يتمكن المرشد الأعلى وحرس الثورة من زرع الفوضى في المنطقة دون رادع. هل سيتمكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من التأثير على السياسة الإيرانية في المنطقة بشكل أكثر فعالية عن طريق "سياسة الانخراط" بدلاً من "سياسة الاحتواء"؟ هل يمكن أن تقوم إيران بدور بناء في المنطقة؟ ما زالت هذه الأسئلة بدون جواب.
     يشعر الذين يزورون طهران بالدهشة من الطابع المعقد جداً للسياسة والمجتمع الإيراني. تكمن المفارقة في أن الثورة الدينية أفرزت المجتمع الأكثر علمانية في المنطقة. إن أكثر من سبعين بالمئة من الإيرانيين ولدوا بعد الثورة الإيرانية، وهم أكثر براغماتية واعتدالاً وانفتاحاً تجاه الغرب بالمقارنة مع بقية الدول في الشرق الأوسط. إذا أردتم فهم انحطاط القوة الأمريكية في الشرق الأوسط، فيجب الذهاب إلى طهران. أصبحوا قلة نادرة أولئك الذين يهتفون "الموت لأمريكا!"، وعندما نسمع هذا الهتاف، فإنه يعكس الحنين أكثر من كونه صرخة من أجل مستقبل إيران.
     اجتمعت في العام الماضي مع بعض الضباط الإيرانيين الذين أكدوا لي أن الهيمنة التي تمارسها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم أصبحت في طريقها نحو ولادة نظام متعدد الأقطاب. إنهم يعتبرون أن الولايات المتحدة لم تعد الشيطان الأكبر، وأن السعودية هي الشيطان الأكبر. يشتكي الإيرانيون من السعوديين الذين يحفرون الآبار النفطية أكثر فأكثر من أجل تخفيض سعر النفط وإضعاف إيران. كما يشعرون بالقلق من التعاون العسكري المكثف بين دول مجلس التعاون الخليجي، ومن تصاعد قوة السعودية في أفغانستان والعراق ولبنان وسورية. ألاحظ هنا وجود المخاوف نفسها في الرياض. يعيش السعوديون هاجس الخوف من النشاط الإيراني في البحرين والعراق ولبنان وسورية واليمن. تدل هذه المواجهة بين إيران والسعودية على وجود شرق أوسط جديد تتواجه فيه القوى المحلية التي أصبحت مستقلة. لم تعد واشنطن هي التي تحدد وتدافع عن النظام الإقليمي: تُعتبر الولايات المتحدة اليوم كمصدر تستخدمه طهران والرياض في الصراع القائم بينهما. ما هو الدور الذي يمكن أن تأمل به الولايات المتحدة وأوروبا في هذا الشرق الأوسط الجديد؟
     من غير المؤكد أن يصوت الكونغرس على الاتفاق النووي مع إيران، ويجب على أوباما ألا يدخر جهداً من أجل طمأنة الرياض وتل أبيب حول أن الولايات المتحدة لن تتخل عنهما لمصلحة طهران أو لتوجيه اهتمامها نحو آسيا. من الممكن أن تواصل الولايات المتحدة تنسيق ضرباتها مع إيران ضد الدولة الإسلامية في العراق وسورية، ولكنها ستحرص على العمل بحذر لكي لا يتم توجيه الانتقادات لها بأنه متساهلة جداً مع إيران.
     إن الرهانات في هذه المنطقة أكثر أهمية بالنسبة لأوروبا بالمقارنة مع الولايات المتحدة، وهناك عراقيل أقل في علاقات أوروبا مع دول المنطقة. أشار الباحث المتخصص بالشأن الإيراني إيلي جيرانمايه Ellie Geranmayeh في تحليل هام بعنوان: (Engaging with Iran: a european agenda) إلى وجود فرصة تاريخية لبناء استراتيجية إقليمية على أساس الاتفاق المتعلق بالملف النووي الإيراني. تستطيع الممثلة الأوروبية العليا للشؤون الخارجية والأمنية فيدريكا موغريني أن تستفيد من المفاوضات حول الملف النووي من أجل فتح سفارة أوروبا في طهران، والتفكير بالطريقة الملائمة لكي تتمكن العلاقات الاقتصادية من تشجيع الانفراج في العلاقات الثنائية. لكن يجب عليها أيضاً التفكير بإمكانية إعادة تشكيل مجموعة 3+1 (فرنسا وألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي) لكي لا تركز جهدها على الملف النووي بل على عملية السلام في الشرق الأوسط.
     على المدى الطويل، يجب محاولة إيجاد الحلول للتخفيف من التوتر بين إيران والسعودية، الأمر الذي يتطلب إعادة مناخ الثقة والأمن في اليمن، وتنسيق حملة مكافحة الدولة الإسلامية في العراق وسورية، ومناقشة المسائل الشائكة الأخرى مثل الدور الذي يلعبه حزب الله أو حتى العلاقات مع إسرائيل. بشكل عام، لا بد من بعض الوقت للتوصل إلى نتيجة. تعيش طهران والرياض في الوقت الحالي فترة من عودة الحظوة، وما ستربحه العاصمتان أكثر مما ستخسرانه. أظهر التوقيع على الاتفاق مع إيران أهمية استراتيجية الصبر. يجب الآن التحلي بالابتكار الدبلوماسي نفسه إذا أردنا التوصل إلى السلام في المنطقة. يجب على أوروبا والولايات المتحدة ودول المنطقة الغارقة في نزاع لا يمكن لأي طرف الانتصار فيه أن تأمل بإنهاء النزاع قبل أن تبدأ حرباً جديدة لمدة ثلاثين عاماً تجتاح المنطقة بأسرها.


الأربعاء، ١٢ آب ٢٠١٥

دومينيك دوفيلبان: "بعد الاتفاق مع إيران، لنواصل المعركة من أجل السلام"

صحيفة الفيغارو 18 تموز 2015 بقلم رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دوفيلبان

     كان الاتفاق مع إيران ضرورياً، وهو يُظهر إلتزام المجتمع الدولي في مكافحة انتشار السلاح النووي وتوفير الضمانات والجدول الزمني. قلت دوماً منذ عام 2003 أن الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية ونظام التفتيش والمراقبة هم مفاتيح أي اتفاق جدي. لنكن واضحين، إن الاتفاق مع إيران لن يصنع السلام في الشرق الأوسط ما دام المناخ الإقليمي متدهوراً. هذا الاتفاق هو نقطة الانطلاق وليس نقطة الوصول. إن الوقوف في منتصف الطريق سيفتح دوامة الأخطار والخيبات وعدم الاستقرار.
     وصلت جميع الدول إلى طريق مسدود، وفي مقدمتهم الدول غير العربية. فيما يتعلق بإيران، هناك الخطر بأن يتشدد موقفها على الصعيدين الداخلي والخارجي لكي تتجنب مزايدات الليبراليين والمحافظين في سياق الخلافة المفتوحة للمرشد الأعلى والتدخلات الإيرانية المتعددة في سورية والعراق واليمن ولبنان. فيما يتعلق بإسرائيل، ستتردد بين مواصلة الخط الحالي المعادي لإيران بشكل يحولها إلى حليف للسعودية بحكم الأمر الواقع، وبين توجيه سلاحها وخطابها ضد الدولة الإسلامية التي تقترب من حدودها أكثر فأكثر بشكل يحسن من صورتها لدى الغرب ولكن سيؤجج الحقد لدى الشعوب السنية.
     تواجه تركيا تهديداً وجودياً. تقف أنقرة في طليعة الدول المعادية لنظام الأسد، وتخشى من ظهور كردستان الكبير على أبوابها. إن الرأي العام التركي منقسم. أصبحت تركيا مركز انطلاق الجهاديين القادمين من أوروبا والقوفاز وآسيا الوسطى. إما أن تواصل تركيا سياستها العثمانية الجديدة في مواكبة الشعوب السنية في راديكاليتهم، أو أن تضطلع بدور نقطة التوازن بين أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط.
     تتجه هذه التقلبات نحو حرب كبيرة في الشرق الأوسط تتواجه فيه الراديكالية العربية السنية وتحالف واسع من القوى غير العربية، الشيعية أو غير المسلمة، وحتى الغربية. إن أول الضحايا سيكونون الأنظمة التي ستحاول التوصل إلى تسوية. يتجه الرأي العام في السعودية نحو الراديكالية لصالح فرضيات الدولة الإسلامية بشكل يهدد شرعية العائلة المالكة، ويوقظ المزايدات المعادية للشيعة داخل النظام سواء في التدخل في اليمن أو في مواجهة الأقلية الشيعية في شرق السعودية. يعود سبب الاستقرار في مصر إلى القمع المتزايد يومياً بشكل سيؤدي حتماً إلى الإفراط وفقدان الشعبية. بدأت بعض دول الخليج بالانخراط في المهرجانات العالمية الكبرى مثل معرض دبي عام 2020 وكأس العالم في قطر عام 2022 في سياق أمني متدهور جداً.
     الدرس الآخر لهذا الاتفاق مع إيران هو أن حذر الدول العظمى وانخراطهم من أجل الحوار والتوازن هو وحده القادر على إعطاء النتائج. على الصعيد الدبلوماسي، إن الاتفاق النهائي أقل أهمية من المساعي المبذولة. إذاً، من الضروري مواصلة التفاوض لكي يشمل الأمن الإقليمي. يجب أن تنفتح مجموعة الست اليوم على القوى الإقليمية مثل تركيا والسعودية ومصر وإيران من أجل الوصول إلى هيكل إقليمي للأمن في الشرق الأوسط.
     يعني العمل الدبلوماسي تجنب انقطاع الخيط والمزج بين مستويات الحوار. يجب فتح ثلاثة مسارات بشكل مباشر: الأول هو سياسي وأمني، والثاني هو اقتصادي واجتماعي للاستجابة إلى احتياجات النمو والمشاريع العابرة للأوطان عبر بعض وسائل التمويل المشتركة، والثالث يجب أن يكون ثقافياً مع تشجيع الحوار بين الطوائف وتشجيع التنوع في المنطقة. إن أسوأ الأمور هو ألا يكون هناك شيء يُقال.
     بالنسبة لفرنسا اليوم، يعني ذلك أن تقوم بدورها المتوازن وبالحوار. لنتجنب أي شكل من التحالفات في منطقة ستكون تدخلاتنا فيها مثقلة دوماً بالكثير من التفسيرات. لنتجنب تكرار العمليات العسكرية التي لا يمكن التحكم بنتائجها. على الرغم من الخطر الحقيقي على الأرض الفرنسية، يجب علينا تجنب التحالف المقدس ضد التطرف السني الذي سيكون مبنياً على الأفكار السابقة لأنظمة  المنطقة وسيغذي الطموحات الإرهابية.
     انتهت الخطوة الأولى، وبدأ زمن المبادرات الجديدة من أجل السلام.


الاثنين، ٣ آب ٢٠١٥

(مايكل هايدن: "العراق لم يعد موجوداً، وكذلك سورية")

 صحيفة الفيغارو 6 تموز 2015 ـ مقابلة مع المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA ووكالة الأمن القومي NSA مايكل هايدن Michael Hayden ـ أجرت المقابلة مراسلتها في واشنطن لور ماندفيل Laure Mandeville

     كان مايكل هايدن جنرالاً في سلاح الجو الأمريكي، وكان في مركز أجهزة الاستخبارات الأمريكية خلال رئاسة بوش. كان رئيس وكالة الأمن القومي NSA (1999 ـ 2005)، ونائب رئيس لجنة تنسيق الاستخبارات في إدارة الاستخبارات الوطنية DNI (2005 ـ 2006)، ورئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية (2006 ـ 2009)، ويعمل حالياً مستشاراً في شركة Chertoff الخاصة التي تعمل في مجال الأمن الصناعي.

سؤال: تسلمتم رئاسة وكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات الأمريكية خلال فترة مضطربة بين عامي 1999 و2009. هل أصبح عالم اليوم أكثر خطورة؟
مايكل هايدن: رأيت عالماً أكثر خطورة خلال عملي العسكري مثل: أزمة الصواريخ في كوبا، والمواجهة بين الجيوش الأمريكية والسوفييتية في معبر شارلي، وقواتنا النووية المتأهبة خلال أزمة عام 1973 في الشرق الأوسط... ولكنني لم أشاهد إطلاقاً عالماً أكثر تعقيداً من عالم اليوم، ولاسيما في الشرق الأوسط وفي الدولتين اللتين كان اسمهما في الماضي العراق وسورية. هناك الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة والأكراد والسنة والشيعة والعلويون. عندما تبدأون بمعالجة مشكلة تنظيم القاعدة، وتحققون بعض التقدم، فإن بقية الأمور تتفاقم...
سؤال: هل النفوذ الأمريكي في طور التراجع في الشرق الأوسط؟
مايكل هايدن: من الصعب جداً أن تكون هناك سياسة محددة. لننظر إلى الحقيقة أمامنا: لم يعد العراق موجوداً، وكذلك سورية. لبنان شبه مهزوم، وكذلك ليبيا. إن اتفاقيات سايكس بيكو التي وضعت هذه الدول على الخارطة عام 1916 لم تكن تُعبّر إطلاقاً عن الوقائع على الأرض، وتعود هذه الوقائع اليوم لتذكرنا بنفسها بشكل عنيف جداً. ستبقى المنطقة في حالة عدم الاستقرار خلال السنوات العشرين أو الثلاثين القادمة. لا أعرف إلى أين نذهب، ولكنني أعتقد أن السياسة الهادفة إلى إعادة إحياء هذه الدول لن تنجح.
سؤال: لكن إدارة أوباما ما زالت تحاول الحفاظ على العراق موحداً...
مايكل هايدن: في الحقيقة، إنها السياسة الرسمية لهذه الإدارة. وهذا الأمر يؤثر على قراراتنا حول إعطاء السلاح إلى الأكراد على سبيل المثال. برأيي، الأكراد هم أفضل حلفائنا في المنطقة، وسيبقون أفضل حلفائنا مهما حصل لأن مصلحتهم تقتضي هذا التحالف مع الغرب. لكن إذا حرمنا أنفسنا من بعض الخيارات لأننا نعتقد بأننا قادرون على إعادة إحياء العراق أو سورية، فسنكون السبب في تفاقم المشكلة. هل ترون جيشاً عراقياً على وشك استعادة محافظة الأنبار؟ أنا لا أرى ذلك! هل ترون جيشاً عراقياً قادراً على استعادة الموصل؟ لن يحصل ذلك. إن الجيش الذي استعاد تكريت هو الميليشيا الشيعية المدعومة بالضباط الإيرانيين. فيما يتعلق بسورية، هل تتصورون مستقبلاً يمكنها أن تستعيد فيه توازنها؟ ربما يوجد مقعد سوري أو عراقي في الأمم المتحدة، ولكن هذه الدول تلاشت...
سؤال: هل يمكن تصور دولة عراقية فيدرالية لا مركزية. يعتقد بعض المراقبين أنه هذا هو الحل، لأن القوى الإقليمية مثل إيران والعراق لن تقبل أبداً بكردستان مستقل... من يستطيع دعم هذا المشروع باستثناء الولايات المتحدة؟
مايكل هايدن: الدعم الأمريكي، هذا كثير! أنا أفهم معارضة التفتت... ولكن إذا عدنا للتاريخ، سترون أن العراق كان يتألف من ثلاث ولايات عثمانية هي: ولاية الموصل الكردية وولاية بغداد السنية وولاية بصرى الشيعية. إن ما نسميه اليوم بالعراق لم يكن موجوداً. إن هذه الحقائق القديمة هامة. أكرر مرة أخرى: لا أعتقد أن العراق وسورية سينبعثان من جديد. يجب البحث عن بدائل أخرى. لهذا السبب، أنا أطالب بتسليح الأكراد مباشرة.
سؤال: يستطيع الأكراد الدفاع عن كردستان، ولكنهم غير قادرين على تدمير الدولة الإسلامية. كيف يمكن مكافحتها؟
مايكل هايدن: أولاً، يجب علينا قصفها وإضعافها، لأنها يحق لنا الدفاع عن أنفسنا! يجب استخدام القوة الجوية وقصف المواقع اللوجستيكية ومراكز القيادة والقادة. ثانياً، يجب علينا احتواء توسعها لأن القلق من رؤية الدولة الإسلامية تتقدم باتجاه سيناء أكبر بكثير من القلق الناجم عن سيطرتها على الرقة. يجب علينا حماية حلفائنا المصريين والسعوديين والأتراك والإماراتيين... ثالثاً، يجب علينا مساعدة المسلمين الذين يستطيعون مكافحة الدولة الإسلامية دينياً، لأن هذه المعركة تتعلق بالإسلام في الحقيقة.
سؤال: ماذا تقصدون؟
مايكل هايدن: إن المعركة الدائرة داخل الإسلام حالياً يمكن مقارنتها بالمعركة التي شهدتها المسيحية في القرن السابع عشر خلال حرب الثلاثين عاماً. يعتبر المؤرخون أن تاريخ الحداثة الأوروبية يعود إلى معاهدة وستفاليا Westphalie عام 1648، وظهر حينها مبدأ فصل الكنيسة عن الدولة. لم يتوصل الإسلام إلى هذه التسوية، وربما لن يتوصل إليها أبداً. لا يمكننا معرفة ذلك. لكننا نُخطئ عندما نقول أن هذه المعركة لا علاقة لها بالإسلام. لنكن واضحين: تتعلق هذه المعركة بالإسلام حتى لو كانت لا تتعلق بالإسلام بأكمله أو بجميع المسلمين! يجب علينا مساعدة المعتدلين.
سؤال: لكن أين توجد هذه القوة المعتدلة في الإسلام؟
مايكل هايدن: إنها موجودة على الهامش. يمثل الرئيس المصري السيسي بديلاً مهما كانت إدارته السياسية قاسية وسيئة. لقد ألقى كلمة هامة في جامعة الأزهر، ودعا فيها إلى ثورة في الإسلام. من المحتمل أنه هذا هو السبب في استئناف مساعدتنا العسكرية إلى القاهرة.
سؤال: هل غياب الحلفاء الموثوقين فعلاً لدى السنة يُفسّر أن إدارة أوباما يبدو أنها تراهن على التقارب مع إيران في حال الاتفاق على الملف النووي؟
مايكل هايدن: يجب طرح هذا السؤال على حكومتنا. برأيي الشخصي، إن عام 1979 بالنسبة لتنظيم القاعدة ولإيران في آن معاً يُكرس المقاربة الإيديولوجية التي تجعل من النزاع مع الغرب قاعدة لا يمكن تجاوزها.
سؤال: لكن إيران دولة لها مصالح قومية على المدى الطويل بشكل يتجاوز  الإيديولوجية...
مايكل هايدن: تساءل كيسنجر في أحد الأيام: هل إيران دولة أم مشروع؟ لست متأكداً بأن النظام الإيراني أجاب على هذا السؤال بشكل قاطع...
سؤال: هل يعني ذلك أنكم قلقون من الاتفاق النووي الذي ربما يتم توقيعه مع طهران؟
مايكل هايدن: أنا قلق جداً. حتى التوقيع على اتفاق جيد سيعطي الشرعية إلى إيران كدولة صناعية نووية قادرة على صناعة السلاح النووي خلال 12 شهراً. وسيسمح باستقبالها ضمن عائلة الأمم، ويرفع العقوبات عنها دون معرفة فيما إذا كان الإيرانيون ينوون فعلاً تغيير سياستهم في الهيمنة وزعزعة استقرار المنطقة...
سؤال: لنتحدث عن أوروبا: هل أدرك الأمريكيون أخيراً أن الإسلام أصبح مشكلة وجودية بالنسبة للأوروبيين، وليس فقط مشكلة إرهاب؟
مايكل هايدن: عندما كنت رئيساً لوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، كان المحللون العاملون معي يفكرون بالسيناريوهات المستقبلية في أوروبا. أتذكر أنه تم طرح سيناريوهين متطرفين: يتصور الأول أن أوروبا أصبحت نوعاً من مدينة الملاهي، وخسرت نفوذها، ولكن من الممتع زيارتها؛ كان اسم السيناريو الثاني: أوروبستان، ويؤكد على الأخطار الناجمة عن أسلمة أوروبا، وهي مشكلة لم يعطها الأمريكيون الاهتمام الكافي.
سؤال: هل أنتم قلقون من النزعة العدوانية الروسية في أوروبا؟
مايكل هايدن: يتصرف بوتين بثقة، ولكنه لا يملك الأوراق اللازمة في رهانه. تمثل هذه النزعة العدوانية مشكلة جدية على المدى القصير وليس على المدى الطويل، لأن روسيا قوة في طور الانحطاط. إن جميع صفات القوة العظمى الروسية في خطر مثل: الصناعة المزدهرة ورجال الأعمال والديموقراطية وحتى الغاز والنفط. إن الوسائل الوحيدة للقوة الروسية تعود إلى العصر السوفييتي أي: الفيتو في الأمم المتحدة وما تبقى من القوة العسكرية والنووية...
سؤال: ذهب بعض النواب الروس إلى درجة التساؤل فيما إذا كان اعتراف روسيا قانونياً باستقلال دول البلطيق...؟
مايكل هايدن: من الصعب القول فيما إذا كان التهديد ضد دول البلطيق حتمياً. هناك شيء يدعو للشفقة في عودة النزعة العدوانية الروسية على حدود الحلف الأطلسي ومحاولة الرهان مرة أخرى على الماضي المجيد. لكنني أعترف بأن العملية العسكرية الروسية في شبه جزيرة القرم كانت تتصف بالحرفية العالية، وهذا يعني أنه يجب أن نكون حذرين جداً ولاسيما على المدى القصير. أريد رؤية مقاربة أمريكية أكثر حزماً في أوكرانيا من أجل منع بوتين من القيام بشيء غبي بسبب مبالغته بقوته.  أنا سأقوم بتسليح الأوكرانيين!
سؤال: هل أصبحت الصين في طور التحول إلى عدو الولايات المتحدة مع سياستها الجديدة في بحر الصين الجنوبي أو على جبهة الحرب على الأنترنت؟
مايكل هايدن: الصين ليست عدواً للولايات المتحدة. لا شك أن العلاقة ستكون تنافسية وربما تكون تنازعية. بالتأكيد، أنا قلق من التحرك العسكري الصيني في بحر الصين ومن تجسسها الإلكتروني على الولايات المتحدة. ولكن يجب عليكم معرفة أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تمضي الكثير من الوقت أيضاً في القلق حول المشاكل الهيكلية للصين وفي تقدير قوتها... لتلخيص التحديات التي تنتظرنا، يمكنني القول أن الخطر الفوري هو الدولة الإسلامية، وهو خطر جدي ولكنه ليس حيوياً بالنسبة للولايات المتحدة. تمثل إيران ومسألة انتشار السلاح النووي تهديداً أكثر جدية، ولكن ما زال أمامنا القليل من الوقت. تمثل الصين التهديد الأكثر جدية، ولكن ما زال أمامنا وقت أطول. إن الصين ليست عدونا، ولكنها السؤال الأكثر أهمية من أجل مستقبل السلام الشامل.