الصفحات

الثلاثاء، ١١ كانون الأول ٢٠١٢

(الدبلوماسية الأمريكية تعمل على طمأنة روسيا وإسرائيل)


صحيفة اللوموند 11/12/2012  بقلم ناتالي نوغايرد Natalie Nougayrède

     تنتشر التكهنات في أوروبا بسرعة حول الأسباب التكتيكية المحتملة التي تدفع فريق أوباما إلى  التلويح بالخوف من استخدام الأسلحة السورية غير التقليدية. هناك عاملان: الأول هو أن واشنطن تريد توجيه رسالة لطمأنة إسرائيل التي تخشى من تهريب القنابل الكيميائية إلى بعض المجموعات المتطرفة أو الإرهابية المرتبطة أو غير المرتبطة بالتمرد السوري. ثانياً، إن موضوع الأسلحة الكيميائية يهدف إلى التأثير على المقاربة الروسية للملف السوري، ويقال أن هذه المقاربة في طور التغيّر. هناك ملاحظة ربما تكون هامة: خلال اجتماع مجلس الحلف الأطلسي ـ روسيا في بروكسل يوم الثلاثاء 4 كانون الأول، كان وجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف متورماً وذراعه مربوطة بسبب سقوطه في أحد الفنادق، الأمر الذي أثار استغراب الأطراف المشاركة، وكان لافروف في ذلك اليوم معتدلاً على غير العادة بخصوص الملف السوري.
     إن التصريحات الأخيرة لباراك أوباما وبعض أعضاء فريقه بخصوص الأسلحة الكيميائية السورية، صدرت قبل عدة أيام من الاجتماع الذي جرى في برلين يوم الخميس 6 كانون الأول بين هيلاري كلينتون وسيرغي لافروف ومبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي. قال أحد الدبلوماسيين: "فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، يعرف الأمريكيون أن الروس وضعوا الخطوط الحمراء نفسها التي وضعتها واشنطن. إنها أرضية للتقارب بينهما". بالإضافة إلى ذلك، إن هذا الموضوع يضع روسيا على قدم المساواة مع القوة الأمريكية، الأمر الذي يُمثل رمزاً هاماً بالنسبة لفلاديمير بوتين. لقد أكد الروس في الأشهر الأخيرة أنهم "يضمنون" سلوك عقلاني من قبل السلطة السورية والسيطرة على الترسانة الكيميائية، وذلك من أجل مواجهة التعليقات الأمريكية التحذيرية.
     لا يمكن لأحد أن يستبعد بشكل كامل إمكانية لجوء نظام الأسد أو أحد المسؤولين الكبار الذين يشعرون بقدوم "نهاية" ما تبقى من السلطة، إلى عمل متطرف جداً. سيكون ذلك المرة الأولى التي تُستخدم فيها الأسلحة الكيميائية في الشرق الأوسط منذ الحرب الإيرانية ـ العراقية. ولكن الفرضية الأكثر خطراً ـ لأنها أكثر احتمالاً ـ هو استيلاء المجموعات الراديكالية المعادية للمصالح الغربية على العناصر الكيميائية في ظل الفوضى السورية. يُعيدنا ذلك إلى العامل الإسرائيلي، فقد أشار دبلوماسي غربي رفيع المستوى إلى أن الإسرائيليين غيّروا موقفهم بشكل كامل منذ بعض الوقت، ولكنهم تحفظوا كثيراً في الوقت نفسه على التعبير عن موقفهم حول سورية. لم تعد إسرائيل تعتبر أن بقاء بشار الأسد هو أقل الشرور، حتى في سياق الحرب الأهلية. وتعتقد بعض المصادر الرسمية الأوروبية أن مصدر المعلومات الأمريكية الأخيرة حول تجميع العناصر الكيميائية في سورية هو مصدر إسرائيلي. بالإضافة إلى ذلك، انتشرت فكرة أن تسريع الحل في سورية سيجعل الظروف الإستراتيجية أكثر ملاءمة "لمعالجة" الملف النووي الإيراني.
     ما زال باراك أوباما معارضاً لأي تدخل عسكري أمريكي جديد وبشكل خاص في العالم الإسلامي. من المفترض أن يخفف ذلك من المخاوف الأوروبية المتعلقة بالقيام بعملية عسكرية  لتأمين المواقع الكيميائية السورية اعتماداً على هذه المعلومات المجتزأة. تندرج الفكرة الأمريكية في حشد الحلف الأطلسي في سياق الرغبة بإظهار سياسة أكثر حزماً تجاه بشار الأسد، وأصبح ذلك أكثر سهولة بعد انتخاب باراك أوباما.
     أشار بعض الدبلوماسيين إلى أنه إذا كانت واشنطن تُفكر بالحلف الأطلسي، فإن ذلك سيكون قبل أي شي من أجل وضع بعض الركائز لما بعد الأسد عندما يسمح الوضع في سورية بذلك، دون أن يعني ذلك بالضرورة توقف العنف فيها. من الممكن أن تساهم الدول الأعضاء بالحلف من خلال قيامها بدور "حراسة" المواقع السورية، والتالي تجنب وجود قوات أمريكية واضحة للعيان على الأرض.
     ربما يتم التفاوض مع بوتين من أجل إعطاء تفويض للأمم المتحدة تبعاً للمساومات الجارية حالياً بين روسيا والولايات المتحدة. إن سورية هي البلد العربي الوحيد الذي يجري فيه سيناريو إسقاط النظام في سياق وجود أسلحة تدمير شامل فيها. إن تأمين هذا المخزون، يمكن أن يكون قضية تخص الجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق